“الصلاة اليوم. تحدٍّ لا بد من التغلب عليه”. هذا هو عنوان كتاب جديد صدر عن مكتبة النشر الفاتيكانية وأعدّه الكاردينال أنجيلو كوماستري، وهو عبارة عن أول مجلد يصدر ضمن سلسلة من النصوص التي ستُنشر خلال “سنة الصلاة” التي أعلنها البابا فرنسيس استعدادا ليوبيل العام ٢٠٢٥. يبدأ الكتاب بتوطئة بقلم البابا سلط فيها الضوء على أهمية الصلاة الفردية والجماعية بالنسبة لحياة الكنيسة.
كتب فرنسيس أن الصلاة هي نفَسُ الإيمان وهي التعبير الأنسب له، إنها بمثابة صرخة صامتة تنطلق من قلب الإنسان الذي يؤمن ويتوكل على الله. وكتب البابا أنه ليس من السهل أن نجد الكلمات المعبرة عن هذا السر، مضيفا أن القديسين واللاهوتيين حاولوا أن يصنفوا الصلاة، بيد أنه يُعبر عنها ببساطة الأشخاص الذين يعيشونها. وذكّر البابا بأن الرب يحذرنا من كثرة الترداد في الكلام عندما نصلي ظناً بأن الله يستجيب لنا. فقد علمنا الرب أن نفضّل الصمت وأن نتوكل على الآب، الذي يعرف ما هي الأمور التي نحتاج إليها قبل أن نطلبها.
بعدها تطرق البابا إلى يوبيل العام ٢٠٢٥ وقال إنه بات على الأبواب، داعياً للاستعداد لهذا الحدث الهام بالنسبة لحياة الكنيسة بواسطة الصلاة. ولفت إلى أن العام الفائت كُرس لإعادة اكتشاف التعاليم المجمعية، وهي طريقة نحافظ من خلالها على الإرث الذي تركه لنا آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، كي تتمكن الكنيسة، من خلال تطبيقه، من استعادة وجهها الفتيّ ومن إعلان جمال الإيمان على رجال ونساء زماننا الحاضر.
وأشار فرنسيس في هذا السياق إلى أن العام ٢٠٢٤ سيُخصص للصلاة استعدادا لليوبيل، موضحا أن الأشخاص يشعرون باليوم بالحاجة إلى الروحانية الحقيقية، القادرة على الإجابة على التساؤلات الكبيرة المطروحة بشأن الحياة، وليدات سيناريوهات دولية مضطربة. وذكّر البابا هنا بالأزمة الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بسبب الجائحة، فضلا عن الحروب، لاسيما في أوكرانيا، التي تزرع الموت والدمار والفقر. ناهيك عن انتشار ثقافة اللامبالاة والإقصاء التي تخنق تطلعات السلام والتعاضد، وتضع الله على هامش الحياة الشخصية والجماعية. وكل هذه الظواهر تساهم في خلق أجواء مشحونة، تمنع الأشخاص من العيش بفرح وطمأنينة.
من هذا المنطلق، شدد البابا على ضرورة أن ترتفع صلواتنا بإلحاح نحو الآب كي يصغي لمن يلجئون إليه بثقة. ولفت إلى أن هذه السنة المكرسة للصلاة تسلط الضوء على ركيزة المبادرات والمشاريع الرعوية، كي يستعيد الأشخاص، على المستويين الفردي والجماعي، فرح الصلاة بمختلف أشكالها وتعابيرها. وستشكل السنة مناسبة لاختبار “مدرسة صلاة”، متذكرين كلمات التلاميذ الذين طلبوا من الرب أن يعلمهم كيف يصلون.
تابع الحبر الأعظم مشيرا إلى أهمية أن نتعلم التواضع وأن نترك فسحة للصلاة النابعة من الروح القدس الذي يضع في قلبنا وعلى شفتينا الكلمات الصحيحة كي يسمعنا الآب. الصلاة في الروح القدس توحّدنا بيسوع، وتسمح لنا أن نمتثل لمشيئة الآب. وأكد البابا أن الروح القدس هو المعلم الداخلي الذي يدلنا على الطريق الواجب سلوكها، وبفضله تصبح صلاة فرد واحد صلاةَ الكنيسة كلها، والعكس صحيح! والصلاة بحسب الروح القدس تجعل المسيحيين يتّحدون كعائلة الله الواحدة. وأضاف فرنسيس أنه على يقين أن الأساقفة والكهنة والشمامسة ومعلمي الدين سيجدون خلال هذه السنة السبل الملائمة لجعل الصلاة ركيزة إعلان الرجاء الذي سينطلق من يوبيل العام ٢٠٢٥. ويكتسب هنا أهمية كبيرة إسهام الأشخاص المكرسين، لاسيما جماعات الحياة التأملية.
هذا وكتب البابا فرنسيس في توطئة كتاب الكاردينال أنجيلو كوماستري أنه يتمنى أن تتكاثر المبادرات في مزارات العالم كافة، التي هي أماكن مميزة للصلاة، كي يجد فيها الحاج واحة للهدوء وينطلق منها بقلب مفعم بالتعزية. وأمل فرنسيس أيضا ألا تتوقف الصلوات الفردية والجماعية، وتكون بحسب مشيئة الرب يسوع، كي يمتد ملكوت الله ويصل الإنجيل لكل شخص يبحث عن المحبة والغفران. وختم الحبر الأعظم لافتا إلى العمل على إصدار نصوص مقتضبة وبسيطة اللغة، تساعد المؤمن على الغوص في الصلاة، موجها كلمة شكر إلى معدّي تلك النصوص، التي يود أن يضعها بين أيدي القرّاء على أمل أن تساعدهم في إعادة اكتشاف جمال الاتكال على الرب بتواضع وفرح.