افتتاح مهرجان الكتاب في انطلياس في دورته الـ41 وكلمات شددت على أهمية التواصل في بناء الوحدة الوطنية والسلم الأهلي

افتتحت الحركة الثقافية -انطلياس المهرجان اللبناني للكتاب في دورته الـ41 في احتفال أقيم في مسرح الأخوين رحباني في دير مار الياس انطلياس، في حضور النائب البطريركي المطران أنطوان عوكر ممثلا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الأب بطرس عازار ممثلا الرئيس العام للرهبانيّة الأنطونيّة الأباتي جوزف بو رعد، المطارنة سمعان عطالله وبولس روحانا وجورج شيحان، ممثلين عن قادة الأجهزة الأمنية، ممثلين عن النادي الثقافي العربي، وشخصيات رسمية وسياسية وروحية وقضائية وحشد من أهل الفكر والثقافة.
استهل الاحتفال الذي قدمه الدكتور الياس كساب بالنشيد الوطني، فكلمة أمين معرض الكتاب منير سلامة الذي قال: “هذه السنة، وبالرغم من كل الأزمات التي تعرفون والتي تعصف بوطننا والأخطار التي تتهدّده،قرّرنا في الحركة الثقافية – أنطلياس مرةً جديدة رفع التحدي وإقامة المهرجان، بتشجيع من المتقفين وأصدقاء الكتاب والمؤمنين بلبنان وطن الحرية والثقافة والتفاعل الحضاري والحداثة على مدى تاريخه”.
وأشار إلى أن “الإقبال فاق التوقعات، فشارك معظم المؤسسات الجامعية الكبرى بما فيها الجامعة اللبنانية بالرغم من ظروفها، أما عدد دور النشر المتعاقدة فناهز الخمسين وهي كلها لبنانية، بالإضافة إلى الجناحين الخاصين بالجيش اللبناني وبقوى الأمن الداخلي. كما خصصت الحركة منصّة “المنفردون” للمؤلفين الإفراديين وأتاحت المجال للراغبين منهم بتوقيع مؤلفاتهم في قاعة مخصصة لذلك”.
وعرض للأنشطة المرافقة للمهرجان والتي تتلخص بتكريم أعلام الثقافة من البارزين في مجال الطب والمحاماة والأدب والمسرح والموسيقى وغيرها من المجالات العلمية والأدبية والفنية وإقامة ندوات عدة ابرزها في هذه الدورة ندوة حول الحرب في غزة وتأثيرها على لبنان وأخرى حول مشكلتي النزوح واللجوء وخطورتهما على مستقبل لبنان الديموغرافي والسياسي والثقافي، بالإضافة الى ندوات حول إصدارات عدة لدور النشر والجامعات. كما تستضيف الحركة على منبرها خلال المهرجان 78 شخصية فكرية من محاضرين ومتدّخلين”.
راجح
ثم كانت كلمة لرئيس الحركة الثّقافيّة الاباتي أنطوان راجح، فلفت إلى أنّ “المهرجانَ فرصةٌ للتّواصلِ الحميدِ، بالرّؤيةِ والإصغاء، بالسّماعِ والنّظر، باللّقاء للتكلّم، لا بصيغِ الفكرِ وحسبُ، بل ومن القلبِ، لصوغِ الوحدةِ في صميمِ الفكرِ المتنوّع والثري”.
وقال: “فيما تشير أصواتٌ إلى بعضِ تخلخلٍ وشكٍّ بين فئات مناطقِ وطنِنا، بلْ وتنافُرٍ وتصارعٍ بين فئاتِ كلِّ منطقةٍ وكلِّ بلدة، وفيما كلُّ فئةٍ تُحبّ لبنانَ الّذي تَتوهَّمُ أنّه لها وحدها، وأقليّةٌ تُحبُّ لبنانَ الّذي هو للجميع، يطيب لي أن أشيدَ بمسارِ حركتنا الثّقافيّة – أنطلياس، الّتي لطالما نجحت في ربط ربوعِنا كافة، وسمحت بأن يعانقَ الواحدُ الآخر، على منبرِها، ويرويَ العقل، ويسقيَ الرّوح. فالتّواصل، في نهايةِ المطاف، هو هذا: المشاركةُ، ونسجُ خيوطِ الشّرِكة، وبناءُ الجسور، لا رفعُ الجدران”.
وأضاف: “نحن بحاجة ماسّة، في مجتمعنا، إلى تواصل يُضرِمُ القلوب، ويكون بلسمًا على الجروح، ويُنير مسيرةَ الإخوة والأخوات؛ تواصلٍ يعرف كيف يشعلُ نارَ الإيمانِ بالوطنِ بدلاً من أن يحافظ على رمادِ هويّة ذاتيّةِ المرجعيّة. تواصلٍ يكون أساسَه التّواضعُ في الإصغاءِ، والجرأةُ في الكلام، ولا يفصِلُ أبدًا الحقيقةَ عن المحبّة. بذلك ننجحُ في أن نكونَ حرّاسًا، بعضُنا لبعضٍ”.
وتابع: “اليوم، في عالمٍ قسمتْه الحروبُ والاستقطابُ والمشاريعُ الخاصّة، وفي بلدٍ يستبيح جنى مواطنيه، ويعجز عن ملء الشواغر، مستثيغًا شلل المؤسّسات، وندرة الخدمات، وشعبه حائر، لا يجد كبير فرق، بين هول الحرب وحصيلة مناوشات الإسناد أو الإشغال، نواجهُ خطر فقدان القدرة على أن نحلم. ولكنّنا لن نتراجع، ولن نستسلم، ولن نتوقّف عن الحلم بعالم أفضل، وبوطن أشرف”.
وتمنى أن “تبقى الحركة الثقافية مركزاً للشموليّة والحريّة، وورشة خصبة للإنسانيّة ومختبراً للرّجاء”.
أبي صالح
وفي الختام كانت كلمة للأمين العام للحركة الثقافية جورج أبي صالح، الذي أشار إلى ان “الحركة تحرص على أن توجّه للرأي العام عبر هذه التظاهرة السنوية بضع رسائل، أولها أن الكتاب،على الرغم من تطوّر تكنولوجيات التواصل الحديثة وانتشارها، يبقى من أجدى الوسائل التعليمية والتثقيفيّة وأعمقها تأثيراً”.
وفي الشأن التربوي، لفت إلى أن “ثمّة ظاهرة سلبيّة آخذة بالتفاقم، وهي تتهدّد أهمَّ ثروات لبنان، أي رأسمالَه الإنساني، الذي يظلّ هو الأثمن والأبقى”، ورأى أن “جوهر حلّ القضية التربويّة في لبنان يكمن في تحسين جودة التعليم الرسمي لزيادة قدرته التنافسيّة وتوفير تكافؤ الفرص التعليميّة وتعزيز ديموقراطيّة التعليم. ولتحقيق ذلك، لا بدّ من خطة تربويّة هادفة على المديَيْن القصير والمتوسط، وهو أمر نأمل أن يُدرَج عاجلاً على جدول أعمال المعنيّين”.
أما في ما يخصّ الجامعة اللبنانية، فقال: “آن الأوان لتفريعها الى جامعات مستقلّة في خمس محافظات ومنح كلّ منها قدراً عالياً من الاستقلالية بدلاً من التمادي في الترخيص الإعتباطي بل الإجرامي المُعيب لجامعاتٍ هي بمعظمها أشبهُ بمؤسّساتٍ تجارية”، وشدد على أن “استقلالية الجامعات اللبنانية الخمس المقترحة، من النواحي الإدارية والمالية والأكاديمية، من شأنها أن تخلق تنافسيّةً إيجابيّة بين مكوَّنات هذا الصرح التربوي، وأن تمكّن بالتالي من تحرير هذه المؤسّسة الأكاديمية الوطنية من سيطرة بل من ” سلبطة ” قوى الجهالة والرجعيّة السياسية”.
وتابع: “من المؤسف بل من المُحبط أن يكون الانتماء المذهبي-الطائفي لا يزال يتقدّم بأشواط على الإنتماء الوطني، بعد نحو ثلاثةِ عقودٍ من انتهاء الحرب اللبنانيّة وثمانية عقود من نيل الجمهورية اللبنانية استقلالِها. ولا شكّ في أن انفجار النزاعات الإقليميّة، بسِماتها الطائفيّة والإتنيّة المعروفة، ساهم في إشاعة هذا المُناخ وتعزيزه، لكنّنا ندرك في الوقت ذاته أن تُربتنا الداخليةَ مهيَّأة. وهذا ما يُلقي على القوى التنويرية وهيئات المجتمع المدني والمؤسّسات التربويّة والجامعيّة أعباءَ ومسؤولياتٍ جسيمة، على مستوى التوعية والتنشئة الوطنيّة كما على مستوى النضال من أجل إقامة دولة القانون والمؤسّسات”.
واضاف: “حركتنا تشاطر اللبنانيّين تطلّعهم إلى أدبيّاتٍ وسلوكيّاتٍ سياسيّة تُسهم في تعزيز الوحدة الوطنيّة والسلم الأهلي، وتأمل إقلاع البعض عن فرض خياراته بإعادتنا الى حكم الحزب الواحد الذي ولّى زمانُه، والعودةَ الى استئناف الحوار الموضوعي والمسؤول برئاسة فخامة الرئيس العتيد للجمهورية حول أمّهات القضايا الوطنيّة، وفي طليعتها الإستراتيجية الدفاعية، ومعالجة معضلة النازحين السوريّين، ومشاكل اللاجئين الفلسطينيّين وبناء دولة القانون والمؤسّسات”.
ودعا “القوى السياسية كافةً الى عقد ميثاق شرف يقضي باحترام الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، أيّاً تكن الظروف، من انتخاب رئيس الجمهورية الى الانتخابات النيابية والبلدية والاختياري”، ورأى أن “الإدمان على تأجيل هذه الاستحقاقات هو وصمةُ خُزيٍ وعار على جبين المتسبّبين به والمستفيدين منه”، وأسف لأن “معالجة الملفّات الشائكة لا تبدو ممكنةٌ في المدى المنظور، ما دامت مصلحةُ الدول والشعوب الأخرى تأخذ حيّزاً أكبر بكثير من مصلحة وطننا وشعبنا، سواءٌ في الخطاب السياسي أم في الاهتمام الفعلي لمعظم القوى والقيادات المحلّية”.
وأمل في أن “تُسهم التطورات المقبلة في تغليب قوىً سياسية قادرة على عكس المنحى الانحداري الانتحاري السائد في حياتنا الوطنيّة العامة. وفي الانتظار، لا يسعنا، مع سائر القوى الحيّة في مجتمعنا، غير أن نواصل قرعَ الجرس، أملاً في أن يتصاعد ذات يوم الدخانُ الأبيض”.
بعد ذلك تم قص شريط الافتتاح، وجال الحضور على أقسام المعرض الذي يستمر حتى 10 آذار الحالي يومياً من الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء.