افتتحت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان مؤتمرها السنوي الـ30، بعنوان “التربية على المواطنية من اجل بناء مجتمع اكثر ديموقراطية”، في المركز الكاثوليكي للاعلام بدعوة من اللجنة الاسقفية، برعاية رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وحضوره وكاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان، وزراء الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم العالي والشباب والرياضة في حكومة تصريف الاعمال هيكتور حجار وعباس الحلبي ممثلا بالمدير العام للتربية عماد الأشقر وممثل عن جورج كلاس، السفير الفرنس هيرفي ماغرو، النواب نعمة افرام وانطوان حبشي وبلال حشيمي واسامة سعد ممثلا بجهاد ضاني، الوزيرين السابقين طارق متري وابراهيم شمس الدين، قائد الجيش العماد جوزاف عون ممثلا بالعميد الركن ريمون ناصيف، المدير العام للأمن العام بالانابة اللواء الياس بيسري ممثلا بالعميد ايلي الديك، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ممثلا بالمقدم لبيب سعد، المديرالعام للجمارك ممثلا بريمون الخوري، سفير لبنان في الفاتيكان فريد الياس الخازن، رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمة وأعضاء اللجنة، راعي نيابة صربا المارونية المطران بولس روحانا وممثلين عن أساقفة بيروت وطرابلس وانطلياس، القائم باعمال السفارة البابوية المونسنيور جيوفاني بيكيري، الرئيس العام لرهبانية اللبنانية المارونية والرئيس الأعلى لجامعة الروح القدس – الكسليك الأباتي هادي محفوظ، الرؤساء العامين أنطوان ديب وادمون رزق، الرئيس العام للرهبانية الأنطونية الأباتي جوزف بو رعد ممثلا بالأب بطرس عازار وعدد من الرئيسات العامات والكهنة والرهبان والراهبات، مستشارة التعاون والعمل الثقافي ومديرة المركز الثقافي الفرنسي سابين سيورتينو، رئيس جامعة الروح القدس الكسليك الأب طلال الهاشم، رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران، رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء البروفسور هيام اسحاق، اتّحاد المؤسّسات التربويّة الخاصة في لبنان ونقباء المدارس الخاصة، نقيب المعلّمين الأستاذ نعمة محفوض واعضاء مجلس النقابة، مدير صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليميّة في المدارس الخاصة الأستاذ جورج صقر، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، نقيب المحامين في بيروت ممثلاً بالأستاذ ايلي الصائغ، عدد من المسؤولين القضائيّين والتربويّين ورؤساء البلديّات والمخاتير وممثّليهِم، ورؤساء اتحادات لجان الأهل في المدارس الكاثوليكيّة، وعدد من المديرات والمدراء والأساتذة والأهل والتلامذة.
الافتتاح
بداية رحَّب الأب طلال الهاشم بالحضور، متمنياً نجاح المؤتمر في أعماله “بما ينعكس إيجاباً على الرسالة التربوية بعامة والمواطنيّة بخاصّة سواء على مستوى مدارسنا أو جامعاتنا الكاثوليكية”.
ثم استهل حفل الافتتاح، بعرض “حكاية الاستقلال” من خلال مشهدية تمثيليّة مع كوريغرافيا لمتعلّمي المرحلة الثانويّة في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين – عين نجم استتبعت بالنشيد الوطنيّ اللبناني وتلتها وقفة صلاة تضمنت نوايا مصحوبة بتراتيل من الطقس السرياني الماروني أدتها جماعة من الاخوة في جامعة الروح القدس الكسليك.
قدّمت الجلسة الإفتتاحية الإعلامية ندى اندراوس التي توجّهت إلى الحضور كواحدة من بنات الأسرة التربوية في المدارس الكاثوليكية وكأم لولدين لا يزالان من أبناء هذه الأسرة، متمنية أن يحقق المؤتمر أهدافه في محاولة لرسم خارطة طريق لتربية مواطنية وديموقراطية ومجتمعية، تبدأ من المنزل فالمدرسة فالمجتمع عبر استراتيجيات ومقاربات وثوابت تسعى المدارس الكاثوليكية إلى تحقيقها.
وبعد عرض مقطع فيديو عبّر فيه عيّنةٌ من المواطنين، مختلفي الأعمار، عن تصورهم للبنان وكيفية تعبيرهم عن محبتهم له، ختمت السيدة أندراوس مطلقة العنان للغة القلب علّها تكون فعّالة في انقاذ وطننا.
في أولى الكلمات، أشار الأب يوسف نصر أن “هذا المؤتمر ينعقدُ وسطَ تحدياتٍ جسيمة تمرُّ بها بلادُنا، لنؤكد إصرارَنا على بناءِ مستقبلٍ تربويّ يليقُ بتطلّعاتِ أجيالِنا الصاعدة، مستلهمًا في كلمته رؤية البطريرك الحويك للبنان كوطنٍ موحَّدٍ بتنوّعهِ وحيث “سلامةَ الوطن لا تقومُ إلا بخدمةِ المصلحة العامّة” ؛ فالمنتظر من هذا المؤتمرِ هو رسمُ أفقٍ واضحٍ للتربيةِ على المواطنيّة والخروجُ بخطّةِ عملٍ قابلةٍ للتطبيق، تلتزمُ بها كلُّ مدارسِنا الكاثوليكيّة، لكي تبقى نموذجًا حيًّا يُحتذى به في محبةِ الوطن والزودِ عنه. وبالتطرّق إلى المواضيع الساخنة لفت الأب نصر إلى أن الأزماتِ المتلاحقة، من اقتصاديّةٍ وأمنية وسياسيّة واجتماعيّة مع غيابٍ فاقعٍ للدولة وإحجامٍ عن أداءِ واجبِها تجاهَ المدرسةِ الخاصة، وبخاصةٍ المجانيّة منها، كلُّ هذا يعرّضُ سنوياً الى خطرِ إقفالِ قسريّ لبعضِ المدارس في ظِلِّ انحسارِ الخدمةِ التربويّةِ التي يُؤمّنُها القطاعُ العام ؛ مما يجعل من الملح القيام بسَلَّةُ إصلاحاتٍ قانونيّةٍ متكاملة ولَكِنْ دونَ المسِّ بالمسلّماتِ والتوازنات التي قامتْ عليها التربيةُ وقامَ عليها التعليمُ الخاص منذ تأسيسِهِ، فالحاجةُ ماسّة إلى تشريعٍ جديد لمعالجة قضايا الضمان وتعويض نهاية الخدمة للمعلّمين، عبر إقرارِ سلسلةِ رُتَبِ ورواتبِ جديدة”.
وفي استعراض الرؤية للمرحلة القادمة، شدّد الأمين العام على “اللحمةُ الداخليّةُ كسبيل وحيد للمواجهة، مبنيةً على إيمانٍ ثابتٍ برسالةِ الكنيسةِ التربويّة، قوامُها العدلُ والرحمةُ والإحسان، مع التشديد على إنصافَ المعلّمين من دون أن نثقّل على كاهل الأهل، مع أخذ بعين الاعتبار وضع الطبقةِ الأكثرَ فقرًا في مجتمعِنا، والسعي لضمانِ استمرارِ فرصةِ التعلُّمِ لكلِّ تلميذٍ لبنانيٍّ .وأشار إلى تفعيل دور هيئاتِ الأمانةِ العامّة وتعزيز التعاون والتشاور مع جميع الفرقاء المعنيين بالتربية، ونوّه بشكلٍ خاص بمبادراتِ الدولةِ الفرنسيّةِ تجاهَ لبنان، وبخاصةٍ مشروعِ التدريبِ التربويِّ الجامعِ لمدارسِنا الكاثوليكيّة الفرنكوفونيّة وثمّن صدور مناهجَ تربويّةٍ جديدةٍ تراعي الحداثةَ والتطوّرَ دونَ المساسِ بثوابتِنَا الأخلاقيّةِ وقيَمِنا الإنسانيّةِ العريقةِ، وعبر عن التزام الأمانة العامة موآزرةِ مدارسنِا الكاثوليكيّةِ العَشَرةِ المتواجدةِ على الحدودِ الجنوبية، مؤكّدًا أن الأمانةُ العامّةُ للمدارسِ الكاثوليكيّة، ضمنَ إطارِ اتحّادِ المؤسّسات التربويّة الخاصّة، وبالتعاونِ مع النقابات الأخرى، ستبقى حجرَ الزاويةِ وصمّامَ الأمانِ للتربيةِ في لبنان”.
كلمة السفارة الفرنسيّة قدّمتها سابين سيورتينو نيابة عن السفير الفرنسي، حيث أشارت فيها إلى أهمية النظام التربوي المتجدّد والمعزّز في نهضة لبنان، مؤكّدةً “دور المدارس الكاثوليكية المفصلي والحاسم في تنشئة مواطني لبنان الغد، عبر المثابرة على قيم العيش معاً وتعزيز التعدديّة اللغويّة والتنشئة على الحريّة”، كما عبّرت عن “استمرار مساندة الحكومة الفرنسيّة للنظام التعليمي في لبنان خصوصاً في هذه الأيام الصعبة، من خلال برنامج دعم منهجي يضع جودة التعليم في سلم أولوياته”.
من جهته، رأى المطران حنا رحمه أن “المؤتمر يشكل فرصة لإعادة صياغة رسالتنا التعليميّة عبر إعادة تعريف التعليم الدينيّ كأساس للهويّة الوطنيّة والنظر إليه كفرصة لتقديس الوطن من خلال تربية مواطنين قديسين، يقدسون مجتمعهم في جميع الحقول. كما ينبغي تعزيز التربية الأخلاقية كحصن ضدّ الانهيار الاجتماعيّ، تترجم بمشاريع اجتماعية ومبادرات تربويّة إبداعية لترسيخ القيم الأخلاقية والمبادئ في نفوس المتعلمين. ومن هنا تأتي التربية على المواطنيّة كاستجابة للتحديات الوجودية في لبنان تتخطى الإطار القانوني للانخراط في المشاركة الاجتماعية والسياسيّة الفعالة لإحداث تغيير إيجابي مع تقدير التنوّع الثقافي والجيني كميزة للوحدة الوطنيّة بحيث يشكل الفسيفساء اللبناني منبع قوة وفرصة لتعزيز الوحدة الوطنيّة، فتغدو الديمقراطية اللبنانية أساسًا يبنى عليه المجتمع العادل في لبنان مع تعزيز روح الابتكار والمبادرة كعوامل للتغيير”.
وفي كلمة موجزة نقل المونسنيور جيوفاني بيكيري تمنيات الأب الأقدس البابا فرنسيس بنجاح المؤتمر مذكراً بأسس “المواطنية الحقّة القائمة على احترام المكانة الرفيعة للشخص البشري وكرامته الإنسانية” مؤكّداً “دور لبنان الريادي كنموذج للعيش معاً والحوار والتسامح والتلاقي”.
وفي نهاية حفل الافتتاح اعتبر البطريرك الراعي أن “التربية على المواطنة اساس في الانتماء إلى الدولة وهي في صلب الكيان اللبناني الذي يفصل بين الدين والدولة، وبفضل هذه الميزة يتمّ الانتماء الى لبنان من خلال المواطنة، لا من خلال الدين. فالدولة اللبنانية تفصل الدين عن السياسة، ولكن لا تفصل السياسة عن الله. وبهذا يتميّز لبنان عن الدول المجاورة “بحرية الاعتقاد المطلقة”، وعن الدول الغربية “بتأدية فروض الاجلال لله تعالى ولجميع الاديان والمذاهب”، وباقرار “نظام الاحوال الشخصيّة” في كل ما يمس بجوهر هذه الاديان. فالدولة لا تسنّ شرائع منافية لجوهر أي دين”.
وأنهى البطريرك كلمته بالإشارة إلى أن “التربية على المواطنة تنفي الخوف والتردّد والازدواجيّة. إذ تربّي المواطنين على العيش في مجتمع أكثر ديموقراطية كون الدستور اللبناني يؤكّد أن لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقر بجميع الحريات العامّة”.
عرض نتائج البحث حول المواطنيّة
بعد استراحة القهوة عرضت البروفسورة ميرنا عبّود مزوّق، منسّقة المجموعة البحثيّة المتعددة التخصّصات “IDEES” في جامعة الروح القدس الكسليك، نتائج بحث ميدانيّ حول المواطنيّة الذي موضوعه التحديات التي تواجهها التربية على المواطنية في مدارسنا الكاثوليكية، تناولت الدراسة عيّنة من 2158 متعلماً في المرحلة الثانوية في 43 ثانوية كاثوليكية تمحورت الأسئلة حول تصورات المتعلمين للمواطن الفاعل والعلاقة بين المواطنية الفاعلة والقيم والتعاليم الدينية كما مستوى الالتزام المواطني لدى المتعلمين والعلاقة بين مستوى الالتزام والمواطنية والأدوار التي يمكن أن يلعبها المواطن في حياته العامة، بالإضافة إلى دور المواطنين في سير عمل النظام الديموقراطي في لبنان. كما تطرّق البحث إلى الصعوبات التي تعيق تطبيق المواطنية الفاعلة في لبنان وتصورات المتعلمين حول المشكلات التي تعترض التربية على المواطنية وتتضمن الاستبيان كذلك باقة من الاقتراحات لتعزيز المواطنية الفاعلة كتشجيع على الالتزام في الخدمة المجتمعيّة والنقاشات حول المسائل الاجتماعية والسياسية الحالية والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.
الجلسة العامّة: المواطنيّة بين الذاكرة والهويّة
تولّت إدارة الجلسة البروفسورة نيكول صليبا شلهوب، من جامعة الروح القدس الكسليك، فأشار أول المتكلمين فيها الوزير السابق الدكتور طارق متري، رئيس جامعة القدّيس جاورجيوس في بيروت، في مداخلته “المواطنيّة في مجتمع تعدّدي: إطار للعيش معًا”، إلى العوامل التاريخية التي شكّلت مفهوم المواطنة في مجتمع تعددي في لبنان، محللًا التنوع الثقافي والطائفي كتحدٍ ومصدر قوة للمواطنة وكيفية تأثير هذا التنوع على تصوّر المواطنية والتفاعلات الاجتماعية، خالصًا إلى التفكير في كيفية تجاوز المواطنية للاختلافات الدينية والثقافية وتعزيز المواطنة باعتبارها ركيزة أساسية للمجتمع اللبناني لتكوين هوية مشتركة.
وفي المداخلة الثانية “المواطنيّة، نماذج وخيارات والواقع اللبنانيّ”، استعرض الدكتور فريد الخازن، سفير لبنان لدى الكرسيّ الرسوليّ، التنوع المفاهيمي الذي يزخر به مصطلح المواطنية وتشابكاته مع مفاهيم الدولة والأمّة والجنسية والهوية والمدنية والاتجاهات التي أخذها المصطلح سواء في الغرب أم في المحيط العربي، في الأنظمة الديموقراطية أو السلطوية، منوّها بخصوصية المواطنية في لبنان لجهة اتصالها بالعيش المشترك والتعدديّة والملاءمة الملتبسة بين الدستور والواقع المعاش، حيث إن السردية المواطنية المعروفة تؤكد الوحدة والسيادة ونهائية الوطن، إلا أن تعدّد التحديّات من حيث مصادرها وتجلياتها يعكسها الانقسام الداخلي ومفاعيله في ما يخص مضامين المواطنية. وخلص إلى أن مفاتيح المواطنية في لبنان تكمن في الدرجة الأولى في التزام الحاكم والمحكوم قولاً وفعلاً بالقانون بعيداً من الزبائنية والاستغلال والفساد، كما المطلوب عملياً أن تستعيد الدولة هيبتها وثقة الناس بأدائها عبر انتظام عمل المؤسسات وخصوصاً السلطة القضائية.
وفي الختام عرض خارطة طريق قوامها نقاط ثلاث:
التنشئة على المواطنة في المدرسة والبيئة الاجتماعية المباشرة.
عدالة ومساواة تؤمنها الدولة.
تراكم في الأداء السليم من أجل تعزيز ثقة المواطن بجدوى المواطنية من أجل تحقيق الخير العام وحماية مصالح الناس.
وفي المداخلة الثالثة “المواطنيّة من خلال النصوص التأسيسيّة: أيّ ملاءمة لبناء دولة ذات سيادة؟” انغمس البروفسور جوزيف ميلا، الرئيس السابق للمعهد الكاثوليكيّ في باريس، وأستاذ العلاقات الدوليّة في المعهد العالي للعلوم الاقتصاديّة والتجاريّة في فرنسا، في النصوص التأسيسية، سواء الدساتير أو المواثيق أو الإعلانات، لتبيان المبادئ الأساسية التي توجه المواطنة، باحثًا في الأهمية التاريخية والمعاصرة لتلك النصوص التأسيسية، ودراسة كيفية تشكيلها واستمرارها في تشكيل مفهوم المواطنة وكذلك الطريقة التي تتكيف بها هذه النصوص مع القضايا المعاصرة المتعلقة بالسيادة، داعيًا إلى التفكير في كيفية إعادة النظر في النصوص التأسيسية لتوجيه الأجيال القادمة نحو المواطنة المستنيرة والدولة ذات السيادة.
وفي نهاية اليوم الأول قدّمت الأخت نوال عقيقي، رئيسة مدرسة القلبين الأقدسين، عين نجم، ومنسّقة أعمال هذا المؤتمر عرضاً موجزاً للمداخلات المطروحة وتولت تقديم عمل جلسات اليوم الثاني ومن ثمّ صلاة الختام.