أبو كسم: البابا فرنسيس ترك لنا إرثًا من التواضع… وللبنان محبة خاصة في قلبه

حاورته ناديا شريم

العالم كله في حداد إنساني. لقد رحل البابا فرنسيس، فالفقراء يبكون أباهم، والمشرّدون يفتقدون راعيهم، والسلام يئن تحت قرقعة السلاح، والحرب تعصف في كل أنحاء العالم، من لبنان إلى غزة إلى أوكرانيا، حيث تتساقط الضحايا بالمئات وتسيل الدماء من كل صوب.
لقد مات بابا السلام، الذي كان يرفع صوته يوميًا داعيًا إلى وقف الحروب وتجارة السلاح، وإلى اعتماد الحوار لحل النزاعات. هو من وقّع وثيقة “الإخوة الإنسانية” مع شيخ الأزهر، وقصد العراق حاملًا مرضه وسنيّه الطويلة للقاء السيستاني من أجل السعي إلى السلام.
ويبقى السؤال اليوم:
ماذا ترك لنا البابا فرنسيس؟
من بعده، من هي الشخصية القادرة على حمل إرثه في التواضع والمحبة والدفاع عن المظلومين؟
من يستطيع متابعة الإصلاحات داخل الكنيسة؟
ومن يواصل الحوار مع باقي الأديان لنزع فتيل الحروب؟
يقول رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، المونسنيور عبدو أبو كسم، إن أهم إرث روحي وإنساني تركه لنا قداسة البابا فرنسيس، هو هذا الإرث المسيحي الممتزج بالتواضع والفقر والبساطة ومحبة الفقراء والمهمشين. لقد عاش هذا الفقر الاختياري طوال حياته، وحتى بعد مماته، حين طلب أن يُدفن في كفن بسيط في كاتدرائية مريم الكبرى، وأن يُكتب على قبره كلمة واحدة: “فرنسيس”. ما عاشه في حياته كان شهادة حية لكلامه، وأهم ما علينا كمكرّسين أن ندركه هو أن التواضع هو زينة الإنسان والمسيحي والمكرّس. وعلينا ألّا نتخلى عما أعطانا البابا، وما فعله لأجل السلام بين الشعوب.
أما عن تأثيره في الكنيسة، فيرى أبو كسم أنه أحدث تغييرات جذرية فيها، فقد سعى إلى إصلاح ما يجب إصلاحه في إداراتها الداخلية، وتطرّق إلى قضايا دقيقة، مثل الاعتداء على الأطفال، واتخذ قرارات مهمة وجريئة. كما اتسمت زياراته بالبحث عن الفقراء والمهمشين والوجود المسيحي في كل بلد، مهما كان صغيرًا، لحثّ المسيحيين على السلام في أرضهم.
كما ساهم بشكل كبير في تعزيز الحوار المسيحي-الإسلامي، ووقّع وثيقة “الإخوة الإنسانية” مع شيخ الأزهر، وهي خطوة فارقة أرست لاعتدال جديد في العلاقات المسيحية-الإسلامية.
وأضاف أبو كسم أن للبابا فرنسيس مواقف لافتة في قضايا عديدة، أبرزها البيئة، حيث اعتبرها “بيت الإنسانية جمعاء”، وأكد على ضرورة إحلال السلام ووقف الحروب حول العالم، وهو ما شدد عليه في رسالته الأخيرة، مطالبًا بوقف الحرب في غزة ولبنان وأوكرانيا وروسيا، وإطلاق سراح الأسرى، ووقف تجارة السلاح. لقد كان هذا نداءه الأخير قبل انتقاله إلى الأحبار السماوية بساعات.
وفي ما يخص لبنان، كان للبابا محبة خاصة له، وكان دائم السعي لإيجاد فرص للسلام فيه، وقد حثّ اللبنانيين مرارًا على انتخاب رئيس للجمهورية، وكان يردّد دائمًا: “لبنان في قلبي وفي صلاتي”، وكان فرحًا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، آمِلًا أن يسلك لبنان طريق النهوض والاستقرار.
أما في ما يخص انتخاب بابا جديد، فشدد أبو كسم على أن كل كاردينال دون سن الثمانين يحق له انتخاب وانتخاب البابا. وقال: “أنا أؤمن أن الروح القدس هو من يختار البابا الجديد بواسطة الكرادلة، ولذلك لا أتدخل في الأسماء، ولا أرغب بذلك.”
وفي الختام، أتوجه بالتعزية إلى جميع المسيحيين وأصحاب الإرادة الطيبة في العالم، من مسيحيين وغير مسيحيين، قائلاً: “المسيح قام، حقًا قام.”