خلال تواجده في العاصمة الإماراتية أبو ظبي شارك عميد الدائرة الفاتيكانية للحوار بين الأديان الكاردينال ميغيل أنخيل أيوزو غيكسوت في القمة العالمية حول التسامح والأخوة الإنسانية، والتي انعقدت في إطار الاحتفالات بالذكرى السنوية الخامسة للتوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية من قبل البابا فرنسيس وإمام الأزهر أحمد الطيب. وألقى نيافته مداخلة أكد فيها أن المشهد العالمي اليوم سلبي لكن لا بد من السير قدماً في درب الحوار بين المؤمنين الذي هو سبيل للأخوة الكونية.
تستمر إذا في أبو ظبي الاحتفالات والمبادرات لمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للتوقيع على هذه الوثيقة الهامة، في إطار الزيارة التاريخية التي قام بها البابا فرنسيس إلى الإمارات العربية المتحدة وبالتحديد في الرابع من شباط فبراير من العام ٢٠١٩. صباح الثلاثاء، ألقى الكاردينال أيوزو مداخلة أمام المشاركين في القمة العالمية حول التسامح والأخوة الإنسانية حول موضوع “متحدون من أجل إنسانيتنا المشتركة” والتي نظمتها وزارة التسامح والتعايش في الإمارات بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين.
وقد اعتلى نيافته المنصة إلى جانب وزير التعايش والتسامح الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، والبروفيسور محمد المحرصاوي، الرئيس المشارك للجنة العليا للأخوة الإنسانية، وإيرينا بوكوفا، المديرة العامة السابقة لهيئة يونيسكو وعضو اللجنة، بالإضافة إلى وداد بوشاموني، امرأة الأعمال التونسية والحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام ٢٠١٥. وقد شارك في الأعمال عدد كبير من رجال الدين والدبلوماسيين والمفكرين ورجال الأعمال وممثلين عن عالم الشباب.
حاول المتحدثون الإجابة على سؤال بشأن كيفية الحفاظ على السلام وخلق فسحات آمنة للحوار بين الأديان. وألقى المسؤول الفاتيكاني مداخلة سلط فيها الضوء على تعاليم الحبر الأعظم وخبرة الكنيسة الكاثوليكية العريقة في هذا المجال، وتحدث أيضا عن الدور الواجب أن تلعبه الأديان المدعوة إلى تعزيز السلام وبنائه. وتناول أيضا السيناريو العالمي المعقد المطبوع بالتوترات المستمرة والعنف وبصراعات جديدة.
دعا نيافته إلى مواجهة كل هذه التحديات المطروحة اليوم أمامنا مشجعاً الجماعات والأفراد في العالم كافة على البحث عن الخير العام فقط وعن كرامة كل كائن بشري والعمل كي يتمكن بلسم الأخوة من مداواة جراح البشرية، في إطار الوحدة والتعاضد. وسلط الضوء في هذا السياق على قيمة العلاقات الوطيدة والتواصل القائم بين مختلف الديانات لافتا إلى أنه باستطاعة مؤمني الديانات التقليدية، ومن خلال السير معاً في درب الحوار ما بين الأديان، أن يقدموا إسهامهم لصالح الأخوة الكونية داخل المجتمعات التي يعيشون فيها.
لم تخل مداخلة المسؤول الفاتيكاني من الإشارة إلى أعمال العنف والصراعات المسلحة التي غالباً ما تُبرر بواسطة الدين، وشاء أن يشدد على أهمية الدور الذي ينبغي أن يقوم به القادة الدينيون في هذا المجال. وقال إن للقادة الروحيين دوراً هاماً لا بد أن يقوموا به في كل مكان، من أجل تعزيز التسامح والمصالحة، ونبذ استغلال الدين لتبرير العنف. وأكد أن التنوع في المعتقدات الدينية واللغات والثقافات والأعراق ليس ذريعة لتأجيج الصراعات، بل هو كنزٌ يغني الجميع.
في معرض حديثه عن القيم الواردة في وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها البابا فرنسيس وإمام الأزهر أحمد الطيب أشار الكاردينال أيوزو إلى أن التسامح بين الأديان ليس كافياً لوحده من أجل إرساء أسس التعايش السلمي، إذ ثمة حاجة إلى التعارف المتبادل والصداقة لأنهما ضروريان لبناء مجتمعات مسالمة وتشمل الجميع. ومن هذا المنطلق شدد على أن التعايش ليس تسامحاً، بل هو قدرةٌ على العيش في إطار التنوع. وذكّر نيافته هنا بتعاليم البابا فرنسيس التي تؤكد على أن التعاون الحقيقي بين المؤمنين ينبغي أن يتبع مسيرة قوامها نقاط مرجعية ثلاث: دور الأديان في مجتمعاتنا، معيار التديّن الأصيل، والطريقة الملموسة في السير معا كأخوة وأخوات من أجل بناء السلام.
بعدها أكد عميد الدائرة الفاتيكانية للحوار بين الأديان، استنادا إلى خبرته الشخصية، أن العلاقة بين هذا الحوار والأخوة الإنسانية وآفاق السلام هي علاقة وطيدة ولا يمكن فصل أحد هذه المبادئ عن المبدأين الآخرين. من هذا المنطلق اعتبر نيافته أن الديانات كافة مدعوة إلى الإسهام في بناء السلام في كل مكان، هذا السلام الذي نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى. وأكد استعداد الكنيسة الكاثوليكية للتعاون مع الديانات الأخرى كافة من أجل تفادي كل ما من شأنه أن يولد الانقسامات والصراعات. في ختام مداخلته لفت الكاردينال أيوزو إلى أن حلم الأخوة يعني البشرية بأسرها، لكنه أُوكل بنوع خاص إلى مؤمني مختلف الديانات المدعوين اليوم للوقوف إلى جانب الفقراء والضعفاء وليكونوا صوت من لا صوت لهم.